الأربعاء، 14 مارس 2012

الهوية

الهوية

محمد الرطيان

اﻹ‌ثنين 12/03/2012(1)( من أنت ؟ ) سؤال سهل وصعب ، بسيط ومعقد ، مباشر ومراوغ !تستطيع أن تقول وببساطة



 : أنا فﻼ‌ن بن فﻼ‌ن .وشخص آخر سيقوم بتأليف كتاب ليجيب على هذا السؤال الشائك .وثالث - أصابته لوثة الفلسفة - سيمضي به العمر دون أن يعرف اﻹ‌جابة !في الحي ستكتفي بـ : أنا ابن فﻼ‌ن .عندما تخرج منه ستضيف : العائلة / القبيلة .ما أن تخرج من الجغرافيا السياسية التي تحتويك، ستكون اﻹ‌جابة اﻷ‌سرع : سعودي !في مكان ما ، وفي دائرة أوسع ، ستقول : عربي .أحياناً .. ستلغي كل هذا ، وتكتفي بـ : مسلم . ولكنك لن تقف عند هذه النقطة !.. ستبدأ معك سلسلة طويلة مذهبية / فكرية / حركية تفتت هذا العنوان الكبير (الهوية الكبرى ) لتحوّله إلى أجزاء صغيرة تنتهي عند مذهبك وعند جماعتك واﻷ‌فكار التي تؤمن بها .(2)هناك ( هوية ) مؤقتة !وهناك ( هوية ) بﻼ‌ هوية !وهناك ( هوية ) هشّة .. وهناك ( هوية ) صلبة ، تسقط الدول وتتغير اﻷ‌نظمة ، وتبقى ثابتة ومتينة .وهناك ( هوية ) يتم صناعتها ! .. على سبيل المثال : خليجي*كيف استطاعت اﻻ‌طراف / الساحل .. أن تُلغي العمق / جزيرة العرب ؟حدث هذا باﻷ‌غاني ، واﻹ‌عﻼ‌م المكثف .(3)باﻷ‌مس طلبت صحافية سويسرية إجراء حوار معي، اتفقت معها على أن يكون في معرض الكتاب أمام الناس وبينهم ( بعيداً عن أي بهو في أي فندق ! ) وطوال الحوار كان الناس يكرمونني بلطفهم بالسﻼ‌م عليّ وكانوا يسمعونني من الكلمات ما يطرب لها أي كاتب . أحدهم زاد بالمديح ومشاعر الفخر حتى استرعى انتباهها أكثر من غيره .. قلت لها أمامه : هل انتبهتِ لﻼ‌سم اﻷ‌خير ؟ .. أنه نفس اﻻ‌سم اﻷ‌خير الذي أحمله ( الشمري ) .. من الممكن أنه فخور بي ﻷ‌نني كاتب ( وطني ) من وطنه ، ولكنه فخور أكثر ﻷ‌نني من نفس القبيلة !هذه هوية أخرى ( هوية صلبة ومتينة ) تجمعني مع قطري وعراقي وكويتي وسوري ..وكم ستشعر بانفصام ( الهويات ) داخلك عندما تتصادم تلك الهوية مع هويتك الوطنية !في برنامج جماهيري ( شاعر المليون ) :كان الجمهور القطري يُصوت لشاعر سعودي ، وكان الجمهور السعودي يُصوّت لشاعر كويتي ..وكﻼ‌هما كانت تحركه القبيلة .(4)تعالوا لنتأمل :في العراق ، انهارت الدولة فحلّ المذهب والهويات الصغيرة بدﻻ‌ً من الهوية الوطنية.في مصر ، انهار النظام ولم تنهر الهوية المصرية .في الكويت ، مجتمع قبلي تشارك فيه القبيلة بصناعة الهوية الوطنية الواحدة / الجامعة .. بدﻻ‌ً من تفتيتها كما يظن البعض.انظروا ما الذي يفعله الوعي هنا .. وما يفعله غيابه هناك .*(5)في أوراقك الرسمية ، وفي بطاقة أحوالك الشخصية وجواز سفرك ، مكتوب : الهوية سعودي .هذه ( الهوية ) تعني ... أو هكذا يجب :أن كل الجهات هي منطقتك .أن كل القبائل قبيلتك .أنك ﻻ‌ تشعر بريبة تجاه لهجة مختلفة عن لهجتك .. ولون مختلف عن لونك .. ومذهب مخالف لمذهبك .هذا ما يحدث معك ؟.. انظر ما الذي يحدث معك - ومع اﻵ‌خرين - عندما تتحدثون بحرية عبر اﻻ‌نترنت ، ويكون الموضوع حول منطقة أو قبيلة أو مذهب ؟!لحظتها ، أين تذهب هذه الهوية الجامعة ؟ ما الذي يحدث لها ؟!كيف تتحول ( الوطنية ) إلى هوية صلبة ومتينة وجامعة ؟ .. هذه تحتاج إلى ( موَاطَنة ) .. وتلك تحتاج إلى ( مواطن ) .. وهذا يحتاج إلى حقوق كاملة ، وقانون يحميه ويحمي اﻵ‌خرين منه ، بما يجعل الجميع يشعرون أنهم عصبة واحدة ، ينتمون إلى قبيلة واحدة .لحظتها ، ستشعر أنك تمتلك ( هوية ) قوية ومتينة وصلبة ، ﻻ‌ تفتتها فكرة عابرة أو أحمق خارج عن الجماعة ، وﻻ‌ تكسرها العواصف .عندما تأتي اﻷ‌زمات سيلجأ الناس إلى ( هوياتهم الصغرى ) لتحميهم ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق